» التحكم بتلوث الماء والهواء

معالجة الحمأة في محطات الصرف الصحي وأثرها على حملها الوبائي

إن الحاجة إلى تنقية مياه الصرف الصحي مع ازدياد الطلب على إعادة استخدامها قاد إلى ارتفاع مستوى المواصفات والمعايير الخاصة بتنقيتها لتحقق أعلى درجات الأمان البيئي والصحي في حالة إعادة استخدام هذه المياه أو التخلص منها في البيئة، وكان من أهم معايير الجودة لهذه المياه هو محتواها من الشوائب و المواد الصلبه والتي أدى إزالتها في محطات المعالجة إلى تكون نفاية صلبة(حمأة) لمحطات الصرف الصحي مستخلصة من هذه المياه

وفي مياه الصرف الصحي عرفت ثلاث أنواع من المواد الصلبة وهي العوالق الصلبة والمواد الصلبة الذائبة والعوالق الصلبة المتطايرة ، وقد وجد أن أغلب محتوى المواد الصلبة العالقة في مياه الصرف الصحي هو من المواد العضوية في حين أن المواد الغير عضوية كانت تشكل أعلى نسبة في مكونات المواد الصلبة الذائبة في مياه الصرف الصحي

تسمى المواد الصلبة المتكونة أثناء فترة المعالجة لمياه الصرف الصحي في المحطات بالحمأة ، وهي تحوي كميات ضخمة من الماء قد تتجاوز نسبتها 97% من حجمها، كما أنها تحوي مقادير من الممرضات المنقولة مع مياه الصرف الصحي والتي أزيلت معها أو ضمنها علاوةً على محتواها الكيميائي كمواد عضوية قابلة للتخمر والتحلل الحيوي

ولكي تصبح مقبولة وآمنه بيئياً وصحياً في حالة التخلص منها في البيئة أو إعادة استخدامها فإنه لابد من معالجتها للحد من مشكلة الممرضات المنقولة بها، و لتثبيتها بخفض قابليتها للتخمر والتحلل وبالتالي التحكم في التلوث الميكروبي الذي قد ينجم عن استعمارها وتعاقب الكائنات الحية الدقيقة عليها وأيضاً للتحكم في الروائح المنبعثة من جرّاء ذلك، كما أن خفض محتواها المائي يعتبر من الأهداف الرئيسية أيضاً لمعالجتها وذلك للتحكم في نمو الكائنات الحية الدقيقة عليها ولتقليص حجمها وبالتالي تقليص حجم الإنفاق على النقل والمعالجة وخلافه وعموما تصل مياه الصرف الصحي إلى محطات المعالجة قادمة من مصادرها المتعددة لمختلف الأنشطة البشرية في المدينة ليتم معالجتها بخطوات يمكن إيجازها كالتالي

عند مدخل المحطة يتم صدّ النفايات الصلبة الكبيرة التي لا يمكن معالجتها في المحطة كالعلب وقطع القماش والأخشاب وما إلى ذلك بواسطة المناخل المثبّتة عند المدخل ليتم استبعادها من مياه الصرف الداخلة إلى نظام المعالجة، وهذا النوع من النفايات الصلبة ليس هو المعني في هذا المقال

يلي هذه المرحلة خطوة لإزالة المواد سريعة الترسب كالرمل والحصى وكذلك المواد سريعة الطفو كالشحوم والزيوت حيث يتم فصل الأولى بالترسيب والأخرى بالكشط. بعد ذلك تدخل مياه الصرف الصحي والتي لا زالت تحمل المواد الصلبة العالقة والذائبة وكل ما لم يزل في المرحلة الابتدائية المذكورة آنفاً إلى مرحلة الترسيب الأولي حيث يتم في فترة الاحتجاز الطويلة نسبياً انفصال كميات كبيرة من المواد الصلبة العالقة في مياه الصرف على شكل رواسب من الحمأة تتجمع في قاع خزانات الترسيب الأولي وذلك بفعل قوة الجاذبية الأرضية، ومن هذه المرحلة تخرج مياه الصرف الصحي وهي تحوي المواد الصلبة الذائبة ومقادير من المواد الصلبة العالقة ويتم نقلها بعد ذلك إلى مرحلة المعالجة الحيوية حيث تتكون الكتل الحية من نمو الكائنات الحية الدقيقة على المغذيات الذائبة في مياه الصرف، يلي هذه المرحلة الترويق الثانوي حيث تنفصل الكتل الحية عن مياه الصرف الصحي على شكل كتل من الحمأة ترسب في قاع خزانات الترويق الثانوي

إن مرحلتي الترسيب الأولي و الترويق الثانوي هما المصدر الرئيسي للنفايات الصلبة لمحطة الصرف الصحي ومن المراحل الأخرى وعن طريق الكواشط والفلاتر والطواحن وخلافه يمكن توليد كميات من النفايات الصلبة لكن بكميات ثانوية نسبياً


إن مصدر الحمل الوبائي الرئيسي للنفايات الصلبة المتولدة في محطات الصرف الصحي هو البراز الآدمي ، حيث يستطيع الإنسان الواحد أن يصرف إلى المحطة يومياً ما يقدر بـ 30-60 جرام جاف من البراز مما يشكل أكبر مصدر للنفايات الصلبة لمحطة الصرف الصحي، وعليه فإن حملها الوبائي مرتبط بشكل رئيسي بالحالة الصحية للأفراد الذين يصرفون مخلفاتهم إلى المحطة وعليه فإنه لا يمكن الحد من وصول الممرضات إلى المحطة بشكل مباشر ، وعموماً نجد أن الممرضات تتركز في الحمأة بشكل أكبر مما هو عليه في مياه الصرف المولدة لها حيث تتجمع الممرضات وتُمتص على الرواسب. إن عملية التثخين هي أولى مراحل معالجة الحمأة حيث يتم فيها تهيئة الحمأة للعمليات اللاحقة سواءاً للتثبيت أو لخفض المحتوى المائي، وهدف هذه المرحلة هو زيادة تركيز المواد الصلبة، وهي غير موجهة لخفض مقادير الممرضات ولا لتثبيت المكونات العضوية، ويتم ذلك بفصل الماء جزئياً عن الكمية المتكونة_ أثناء مراحل معالجة مياه الصرف الصحي_ بآليات فيزيائية في مجملها مثل التثخين بالترسيب حيث يتم احتجاز النفايات الصلبة (الحمأة) المتولدة من مرحلتي الترسيب الأول والترويق الثانوي وغيرهما في خزان لعدة ساعات تكفي لانفصالها إلى طبقات بحسب كثافتها بحيث تصبح الطبقة العلوية هي من الماء المنفصل عن الحمأة والذي تهدف هذه المرحلة إلى إزالته منها العديد من الطرق يمكن استخدامها لتحقيق التثخين بآليات غير الجاذبية الأرضية كالطرد المركزي أو الحزام الضاغط وغير ذلك

يلي ذلك مرحلة التثبيت والتي تهدف إلى تثبيت المكونات العضوية أي تخفيض قابليتها للتحلل والتعفن في البيئة وذلك بتحويلها في محطة المعالجة إلى مركبات ثابتة حيوياً مما يحد أيضاً من انبعاث الروائح الناجم عن استخدامها كمواد أساسية للنمو الميكروبي، كما يتم في العديد من تطبيقات التثبيت التأثير على مقادير الممرضات بخفضها إلى مستويات تتفاوت بحسب التطبيق المستخدم، ومن فوائد التثبيت أيضا أن النفايات الصلبة المثبّتة يمكن بسهولة خفض محتواها المائي


إن تثبيت الحمأة يمكن أن يتحقق بالعديد من الآليات كالهضم الحيوي الهوائي أو اللاهوائي في درجات حرارة متوسطة أو مرتفعة، أو بالأكسدة الكيميائية مثل استخدام الجير وغيرها، ويتم اختيار الطريقة بحسب نوع الحمأة والإمكانيات المتاحة ونظام التخلص أو إعادة الاستخدام المطبق للمنتج المثبت


وأكثر التطبيقات شيوعاً في محطات الصرف الصحي هو الهضم الحيوي اللاهوائي في درجات الحرارة المتوسطة حيث تخضع فيه النفايات الصلبة لمحطة الصرف الصحي المتولدة على هيئة حمأة إلى الاحتجاز في خزانات محكمة السدّ لمنع دخول الهواء إليها ولفترات طويلة نسبياً (20-40يوماً) حيث وضحت الدراسات أن أعلى نسبة لهضم هذا النوع من المركبات العضوية يتحقق في حالة الهضم اللاهوائي وذلك مقارنة بالهضم الهوائي. إن وحدة الهضم الحيوي اللاهوائي تستطيع في ظروف التشغيل المثلى أن تحقق خفضا في مقادير المواد الصلبة القابلة للهضم الحيوي بحوالي 50% ويمكن تلخيص الدور الذي تقوم به الأحياء الدقيقة في هذا المفاعل الحيوي بالتالي

الهضم الأولي للمواد ذات الجزيئات الكبيرة وتحويلها إلى مواد ذائبة

(Polysaccharidase, Protease and Lipase)وذلك بواسطة بعض الأنزيمات الخارج خلوية مثل

تخمير هذه المواد الذائبة وتوليد أحماض دهنية، كحولات، هيدروجين وثاني أكسيد الكربون وذلك بواسطة البكتيريا مولدة الحامض

تخمير الأحماض الدهنية وتوليد الإسيتيت ، ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين، وأحياناً الفورميت

تحويل الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون أو الاسيتيت والهيدروجين إلى غاز الميثان بواسطة بكتيريا الميثان

علاوة على المسارات الايضية الأخرى للبكتيريا المختزلة للحديد أو المنجنيز أو تلك المولدة لغاز كبريتيد الهيدروجين والتي تستطيع أن تتسبب في معدنه المواد العضوية وتحليلها إلى صور بسيطة )

وقد وجد أن الغازات الخارجة من هذا النوع من المفاعلات الحيوية قد

تحوي مقادير من مشتقات هيدروجينية للمعادن والمواد الغروية المعدنية كشاهد على مسارات أيضيه تستغل فيها بعض الأجناس البكتيرية المركبات المعدنية، ورصد لأول مرة ضمن غازات خزان الهضم اللاهوائي مركب (Trimethyl Bismuth)

إن الحاجة إلى زمن الاحتجاز الطويل نسبياً سببه بطء العمليات الحيوية، وقد اقترح بعض الباحثين إمكانية تقليص الفترة اللازمة للتثبيت في هذا النوع من المفاعلات الحيوية بإضافة خطوه معالجة تؤدي إلى تكسير جدران بكتيريا
الكتل الحية الموجودة في النفايات الصلبة لمحطة الصرف الصحي و الداخلة على هذا المفاعل وذلك لإتاحة مكوناتها للتثبيت لأن طول الفترة اللازمة للتثبيت سببها صعوبة هضم محتويات الخلايا بسبب تركيب جدرانها وتمكن بعضهم من إثبات ذلك عندما حُطمت جدر البكتيريا بالمعالجة الكيميائية الحرارية أو الضغط العالي أو الموجات الصوتية وغيرها وهذه الآلية لو طبقت فإنها ستخفض مقادير الممرضات الموجودة ضمن هذه الكتل الحية
إن خفض المحتوى المائي بعد التثبيت يعتبر عملية مهمة اقتصادياً وتشغيلياً حيث يتم بها تقليص تكاليف وإمكانيات نقل وتداول وتجفيف النفايات الصلبة لمحطة الصرف الصحي وكذلك لتهيئتها للمراحل التالية من المعالجة
ولما كانت دقائق المواد الصلبة في الحمأة ناعمة وضئيلة الحجم وأيضاً ذوّابة ولها شحنة كهربية سالبة كان لابد من تهيئة الحمأة أو تكييفها قبل مرحلة خفض المحتوى المائي وذلك لرفع قابليتها لفقد الماء أثناء هذه المرحلة
العديد من الطرق تستخدم لتكييف الحمأة وإعدادها لمرحلة خفض المحتوى المائي ولبعضها القدرة على قتل الكائنات الحية الدقيقة، ومن هذه الطرق التهيئة الكيميائية باستخدام كلوريد الحديد والجير أو كبريتات الحديدوز والشّب أو الرماد والتي تقود إجمالاً إلى تكتل الحمأة وزيادة حجم حبيباتها، ومن وسائل التهيئة الكيميائية أيضاً استخدام البوليمرات العضوية ، والبوليمرات عموماً مركبات طويلة السلاسل تذوب في الماء على شكل محلول حيث يلتصق البوليمر الذائب بسطوح دقائق الحمأة مما يؤدي إلى ترابطها و تكتّلها، كما يقود أيضاً إلى تعادل الشحنات على سطوح دقائق الحمأة


ومن الطرق الممكن استخدامها لهذا الغرض أيضاً طرق فيزيائية مثل غسيل وتصفية الحمأة من المواد الذائبة لتحسين تركيب دقائق الحمأة وتستخدم مياه الصرف الصحي المعالجة لذلك، ومنها أيضاً التهيئة الحرارية بتسخين الحمأة عند درجات حرارة من 140-240ْم لـ 15-40 دقيقة بغرض تخثير الحمأة وتحطيم التراكيب الهلامية، ومثل هذه الطريقة تعتبر مطهرة للحمأة وتؤدي إلى خفض للحمل الوبائي فيها، ومن الطرق أيضاً التجميد وخلافه
بعد التهيئة والتكييف بإحدى الطرق المذكورة آنفاً تنقل النفايات الصلبة لمحطة الصرف الصحي إلى وحدة خفض المحتوى المائي
العديد من الطرق المتاحة يمكن استخدامها في هذه المرحلة ويتم اختيار الطريقة حسب نوع ومواصفات الحمأة ،الإمكانيات المتاحة ودرجة الرطوبة المطلوبة للمنتج النهائي. وكان استخدام أحواض التجفيف أو برك التجفيف أول الطرق المستخدمة لهذا الغرض حيث تنشر الحمأة على أرضية تسمح للماء بالنفاذ ولا تلتصق بها الحمأة بشدة وغالباً ما يستخدم الرمل لذلك ، وتترك لفترة تتراوح بين أيام إلى أسابيع عرضة للهواء الطلق حتى تجف
ومن الطرق المستخدمة أيضاً الطرد المركزي حيث تستخدم قوة الطرد المركزي لتسريع معدل الترسيب وفصل الماء، ومن الطرق أيضاً استخدام التفريغ عبر مرشح ، وطرق أخرى عديدة ومن أكثر الطرق انتشاراً في الوقت الحالي طريقة الحزام الضاغط حيث يتم ضغط الحمأة بين حزامين مرشحين بواسطة آلات دوّارة ترصّ الحمأة حتى ينفذ الماء من خلال الحزام المرشح وتبقى المواد الصلبة بين الحزامين على هيئة طبقة رقيقة نسبياً
هذا ولم تُشر الأبحاث المنشورة حول هذه العملية إلى قدرة تقنية الخفض الآلي للمحتوى المائي باستخدام الحزام الضاغط على التأثير على الحمل الوبائي للنفايات الصلبة لمحطة الصرف الصحي إلا ما يفهم بالضرورة من أن المياه التي سوف تزال من الحمأة أثناء هذه المرحلة لن تكون معقمة بل سوف تحوي مقادير من الممرضات التي كانت في الحمأة أصلاً وبالتالي تنخفض مقادير الممرضات في الحمأة بقدر ما يخرج منها مع الماء أثناء هذه المرحلة

المصدر  موقع المياه