» مختارات بيئية

الوضع المائي في سورية ….. واقع وتحديات

حسان غانم

1- مقدمة:

يزداد الموضوع المائي في الوقت الراهن تعقيدا وخطورة، ليس بسبب كون المياه سبب الحياة فحسب ” وجعلنا من المائي كل شيء حي”، بل لأنها تصبح في منطقتنا نادرة أكثر فأكثر، بسبب تزايد السكان وتوسع الطلب على المياه للأغراض المنزلية والزراعية والصناعية، مما جعلها في منطقتنا عنصرا من عناصر قوة الدولة والمجتمع، أي عنصرا سياسياً بامتياز.يقول كمال أبو المجد”لا أمن عسكري لأمة من الأمم خارج أمنها الاقتصادي، وذروة الأمن الاقتصادي هو الغذاء، ولب الأمن الغذائي ومنتجه هو المياه”.من هذه الناحية يتعرض الأمن المائي السوري لضغط شديد من قبل الدول المجاورة،وبشكل خاص من قبل تركيا و”إسرائيل”.
قضية بهذه الخطورة والجدية ليس من الحكمة تركها شأناً خاصا، ومن اجل ذلك كله حرصت الدولة السورية وحكوماتها المتعاقبة، وبشكل خاص منذ أوائل الستينات من القرن الماضي، على الاهتمام بموضوع المياه، ومنذ أواسط السبعينات من القرن الماضي قفز الشأن المائي إلى المراتب الأولى في اهتمامات السياسة السورية.وعبر ذلك عن نفسه من خلال السياسات المائية المتبعة، والبرامج والخطط التنفيذية العديدة الموجهة إلى تنمية الموارد المائية وترشيد استعمالها، وتأمين حصة سورية العادلة والمعقولة من الموارد المائية المشتركة مع الدول المجاورة.
بين السكان والأرض والمياه والنبات علاقات عضوية وتكامل وظيفي، فزيادة السكان تؤدي إلى زيادة الطلب على الغذاء، وهذا بدوره يتطلب توسيع الرقعة الزراعية وتكثيف الإنتاج الزراعي، غير أن تحقيق ذلك يتطلب مزيدا من المياه.
ومن اجل مواجهة الطلب المتزايد على المياه في سورية، على الأقل في المدى المنظور، ثمة خياران رئيسيان أمامها هما: تنمية الموارد المائية المتاحة، و ترشيد استعمالات المياه.أما على المدى الاستراتيجي فلا مناص من التعاون الإقليمي في هذا المجال. وقبل البحث في الخيارات الممكنة لا بد من إلقاء الضوء على واقع الموارد المائية في سورية في الوقت الراهن.


2-الموارد المائية في سورية.


تقسم الموارد المائية السورية إلى قسمين رئيسيين: إلى موارد مائية تقليدية، وتشمل مياه الأمطار، والمياه السطحية، والمياه الجوفية. وإلى موارد مائية غير تقليدية، وتشمل مياه الصرف الصحي، ومياه الصرف الزراعي، ومياه الاستمطار.


2-1 الموارد المائية التقليدية.

تهطل الأمطار في سورية في فصل الشتاء، وتتفاوت كمياتها بشدة من سنة إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى. لذلك قسمت سورية إلى خمس مناطق مطرية.تتراوح كميات الأمطار التي تهطل في سورية بين (30) و (50) مليار م3 في السنة.فحسب مصادر وزارة الري السورية يبلغ متوسط التهطال السنوي في سورية نحو (46) مليار م3 في السنة.
إن القسم الأعظم من الهاطل المطري يعود فيتبخر ثانية،بسبب وقوع سورية في المنطقة الجافة وشبه الجافة، حيث تطول فترة السطوع الشمسي وترتفع الحرارة.وبالفعل فإن التوازن المائي السنوي ( الفرق بين حجم التهطال السنوي وحجم التبخر ) يكون خاسراً بحوالي (2400) مم في المناطق الشرقية والجنوبية في القطر بسبب قلة الأمطار وزيادة التبخر. تنخفض هذه الخسارة إلى نحو (600) مم في المناطق الشمالية الشرقية خلال الفترة من تشرين الثاني إلى آخر أيار، بينما ترتفع إلى (1600)مم في المنطقة ذاتها من حزيران إلى تشرين الثاني. وبصورة عامة تقل الخسارة في المناطق الساحلية وفي المناطق المرتفعة، ويتحقق فائض في المرتفعات الغربية من البلاد.
أما بالنسبة للموارد المائية السطحية فهي تشمل الموارد المائية من الأنهار والينابيع والخزانات المائية الطبيعية والاصطناعية.
في سورية يوجد العديد من الأنهار دائمة الجريان، غير أن تصريفها السنوي ضعيف على وجه الإجمال باستثناء تصريف نهري الفرات ودجلة، ويتغير من سنة إلى أخرى بحسب غزارة الموسم المطري. بصورة عامة يبلغ متوسط تصريف الأنهار التي تجري في سورية نحو(33) مليار م3 بما فيها تصريف نهر الفرات.
من جهة أخرى تبين الدراسات الهدرولوجية والجيولوجية التي أجريت في سورية أن الطبقات الحاملة للمياه الجوفية تنتشر في جميع مناطق سورية وهي تنتمي إلى طبقات جيولوجية مختلفة[7،173-174]. فحسب مختلف التقديرات تتراوح كميات المياه المسحوبة سنوياً بين (3) و(6) مليار م3.فهي حسب مصادر وزارة الري تبلغ نحو(5.6)مليار م3. أما مركز الدراسات والبحوث المائية فيقدرها بنحو(5) مليار م3.
تفتقر سورية بصورة عامة إلى البحيرات الطبيعية،حيث يوجد خمس بحيرات طبيعية عزبة فقط أكبرها وأهمها بحيرة قطينة التي تقع بالقرب من حمص، إذ تبلغ مساحتها نحو (61) كم2 [3،42]. ومما يعوض عن ذلك نسبياً وجود الخزانات المائية السطحية التي تم إنشاؤها في مختلف مناطق القطر. ففي عام 2001 كان قد تجاوز عدد السدود السطحية التي بنيت في سورية الـ (150) سداً،بطاقة تخزينية إجمالية تصل إلى (16.19) مليار م3.


2-2 الموارد المائية غير التقليدية.


بالإضافة إلى الموارد المائية التقليدية يوجد في سورية موارد للمياه غير تقليدية يقف في مقدمتها من حيث الأهمية الصرف الصحي.من الناحية العملية فإن أغلب مياه الصرف الصحي في المدن السورية الداخلية تصبح متاحة للاستخدام في الري الزراعي من خلال صرفها في مجاري الأنهار.فمن المعروف أن مياه الصرف الصحي في مدينة دمشق تصرف في نهر بردى الذي يروي أراضي الغوطة، كذلك الأمر بالنسبة لمياه الصرف الصحي في مدينة حمص وحماه التي تصرف في نهر العاصي الذي يروي السهول المحيطة بالمدن المذكورة بالإضافة إلى سهل الغاب الخصب.هذا الوضع يتكرر في المدن الداخلية الأخرى،أما المدن الساحلية فإنها تصرف مياهها في البحر.تقدر إدارة الموارد المائية في وزارة الري السورية رواجع الصرف الصحي المستخدمة مباشرة في الري الزراعي في عام1998 بنحو975مليون م3.
من جهة أخرى فإن الصرف الزراعي بدأ يكتسب أهمية متزايدة كمصدر غير تقليدي للمياه، لهذا الغرض ثمة حركة نشيطة في مجال بناء قنوات الصرف الزراعي وإعادة تأهيل المياه المصروفة من أجل استخدامها ثانية في الري الزراعي. في عام1998 بلغ حجم مياه الصرف الزراعي التي أعيد استخدامها في الري ثانية نحو (1199) مليون م3 حسب مصادر وزارة الري السورية.
بدأ في سورية منذ العقد الأخير من القرن العشرين تطوير مشروع للاستمطار عن طريق زرع الغيوم، ومع انه لا يزال في طور التأسيس والتطوير، فإن الكميات المستمطرة خلال أربعة أشهر (كانون الأول، كانون الثاني، شباط، آذار) من المواسم المطرية في العقد الماضي بلغت نحو(11) بالمائة من حجم التهطال السنوي. ففي الموسم المطري لعامي 1991/1992 تم استمطار نحو(4.784)مليار م3، تراجع ذلك إلى (1.55) مليار م3 في الموسم97/98 ، ليعود فيرتفع إلى (3.23) مليار م3 في موسم99/2000.


3- الطلب على المياه في سورية:


يتوقف الطلب على المياه في سورية على حجم السكان ووتائر نموهم وتتطور حاجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
يتركز الطلب على المياه في سورية في المجال الزراعي، فمع تزايد السكان وتحسن مستوى معيشتهم وثقافتهم يزداد الطلب على الغذاء، وهذا بدوره يوسع الطلب على عوامل الإنتاج الزراعي ومنها المياه.
لقد بلغت المساحة الزراعية المروية في سورية في عام 1995 نحو (1089) ألف هكتار استهلكت من المياه نحو (11) مليار م3 استنادا إلى مقنن مائي حقلي يبلغ (10) آلاف م3 للهكتار الواحد في السنة. غير أن سورية لا تستطيع التوقف عن التوسع في ري أراض زراعية جديدة بسبب تزايد السكان ونمو الطلب على المنتجات الزراعية، وتراجع رصيد الفرد الواحد من السكان من الأرض الزراعية من نحو ثلاثة هكتارات في أوائل الخمسينات من القرن الماضي إلى أقل من نصف هكتار في بداية القرن الحالي.
لذلك فإن الأمن الغذائي في سورية يتطلب مزيداً من التوسع في الزراعات المروية، وزيادة العائد الإنتاجي والاقتصادي من وحدة المساحة ومن وحدة المياه.وبالفعل فإن الزراعة المروية في سورية هي في توسع مستمر، فقد زادت في عام 1997 عن (1255) ألف هكتار، ويخطط لري مساحات إضافية تبلغ (1135) ألف هكتار حتى عام 2020.وعندئذ سوف يزيد الطلب على المياه للري وحده عن (22) مليار م3 بحسب المقنن المائي الحقلي المستخدم حالياً،أو (17.7) مليار م3 في حال تم تخفيض هذا المقنن إلى (7500) م3 للهكتار في السنة.من الناحية النظرية قد يكون ذلك ممكنا في المناطق التي يزيد معدل التهطال السنوي فيها عن (400) مم، أما في المناطق الأخرى فمن المشكوك فيه، إمكانية تخفيض المقنن المائي المستخدم عن مستواه الحالي،إلا في حال تم الانتقال من طرق الري بالغمر التقليدية إلى طرق الري الحديثة.
من جهته الطلب المنزلي على المياه هو الآخر في توسع مستمر بسبب تزايد السكان وتحسن ثقافتهم ومستوى حياتهم.فحسب مصادر وزارة الإسكان والتعمير فإن كمية مياه الشرب التي أنتجت في عام 1995 بلغت (832574) ألف م3 ارتفعت إلى (987451) ألف م3 في عام 2000.ولقد ارتفعت نسبة المستفيدين من مياه الشرب في مراكز المحافظات من (95) بالمائة في عام 1995، إلى (97) بالمائة في عام 2000.وازداد نصيب الفرد الواحد من 161 ل/يوم إلى 193ل/يوم. أما في الريف فقد ارتفعت نسبة المستفيدين من مياه الشرب من (70) بالمائة في عام1995 إلى (77) بالمائة في عام 2000 وازداد نصيب الفرد من 103ل/يوم إلى 108ل/يوم. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الاستهلاك المنزلي من خارج الشبكة فإن إجمالي الطلب المنزلي على المياه في عام 2000 قد بلغ نحو (1277.5) مليون م3.
الصناعة السورية لا تعتبر مستهلكاً كبيراً للمياه مع أن الطلب عليها هو الآخر في توسع مستمر نتيجة للتوسع في الصناعة ذاتها.لقد احتاجت الصناعة السورية في عام 1992 إلى نحو(237.8) مليون م3 من المياه، ووصل استهلاكها في عام 2000 إلى (480.9) مليون م3. ومن المتوقع أن يصل ما تستهلكه الصناعة والحاجات المنزلية من المياه إلى (4.12) مليار م3 في عام2025.


4- الفجوة المائية في سورية:


إن خط الفقر المائي على المستوى العالمي يحدد عادة عند مستوى ألف م3 للشخص الواحد في السنة، أما في المناطق الجافة وشبه الجافة فيعتبر مقنن مائي من (500) م3 حداً مقبولاً. إن مستوى التأمين المائي في سورية محسوباً استناداً إلى الموازنة بين عرض المياه والطلب عليها سواء بالنسبة للأفراد أو على مستوى الأحواض يعتبر منخفضاً في حوض بردى والأعوج وفي حوض دجلة والخابور وفي حوض اليرموك، ومقبولاً في بقية الأحواض وكذلك على مستوى القطر.


5- تنمية الموارد المائية في سورية:


بالنسبة للموارد المائية التقليدية في سورية فهي محدودة ومكتشفة ومدروسة بشكل جيد.فالحد النظري الأقصى لموارد المياه في سورية يرسمه ما يسقط من أمطار سنويا فوق سورية، بالإضافة إلى المياه التي تدخل إليها من الخارج سواء عن طريق المجاري المائية السطحية أو عن طريق التسرب الجوفي، وقد يرتفع هذا السقف أو ينخفض من سنة إلى أخرى تبعا لتغير كميات الأمطار التي تهطل فوق البلد أو فوق إقليمها المائي.وقد يكون التغير حادا فيحصل تفاوت شديد في تقدير الموارد المائية المتاحة.ولما كان الطلب على المياه يتغير بصورة يمكن توقعها،إذ لا مجال لحصول تغيرات حادة أو مفاجئة، يبقى السؤال، إذا، كيف يمكن تنمية وتنظيم الموارد المائية التقليدية بحيث يستجيب عرض المياه للطلب عليها بصورة مستمرة.ولا شك بان الجواب عن هذا السؤال يطرح بقوة مسألة التخزين الدائم للمياه.وبالفعل فقد نشطت في سورية حركة واسعة لإنشاء السدود والخزانات السطحية بحيث تجاوز عددها في عام 2001 المائة والخمسين سداً وصلت سعتها التخزينية إلى أكثر من (16) مليار م3. غير أن طبيعة المجاري المائية في سورية لا تسمح ببناء سدود كبيرة.فإذا استثنينا سد الطبقة (13.2) مليار م3،وسد الرستن(225)مليون م3،وسد تشرين(220) مليون م3،وسد قطينة (209) مليون م3، فإن السدود الأخرى هي سدود صغيرة محدودة الأهمية.فهناك 91 سدا لا تزيد طاقتها التخزينية عن بضعة مئات الآلاف من الأمتار المكعبة من المياه، تؤمن الشرب للبدو ومواشيهم. وهناك 38 سداً أخرى بعضها تم تنفيذه والبعض الآخر قيد التنفيذ، لا تزيد طاقتها التخزينية مجتمعة عن 200 مليون م3 من المياه.
يعتبر سد الطبقة هو أكبر السدود في سورية، يبلغ طول جسم السد نحو 4.5 كم وعرضه في الأعلى 60 م، وقد شكل بحيرة اصطناعية بسعة تخزينية تصل إلى 13 مليار م3 من المياه، وتشغل مساحة تصل إلى 630 كم2.لقد كان من المتوقع أن يروي السد نحو 640 ألف هكتار من الأراضي الواقعة في منطقتي الاستقرار الزراعي الرابعة والخامسة، غير انه بعد مضي نحو ثلاثة عقود على إنشائه لم يروى ربع تلك المساحة التي خطط لريها في البداية عند تصميم السد، لأسباب اقتصادية وفنية وإدارية.
يكاد خيار تنمية الموارد المائية السورية عن طريق التخزين الدائم، يصل إلى نهايته، فالأحواض الصبابة الباقية التي يمكن إنشاء سدود عليها محدودة، ومن أهمها حوض نهر الكبير الجنوبي وحوض نهر اليرموك.بالنسبة لحوض نهر الكبير الجنوبي فهو حوض مشترك بين سوريا ولبنان، وقد وقع البلدان اتفاقية لبناء سد على النهر تتقاسمان مياهه.أما بالنسبة لنهر اليرموك، وهو أيضا نهر مشترك مع الأردن فثمة اتفاقية بين البلدين تعود إلى عام 1953وقد جددت في عام1987لإنشاء سد على النهر تستفيد من مياهه بالدرجة الأولى الأردن ومع أن الأحواض الصبابة ذات الأهمية الاقتصادية محدودة كما ذكرنا إلا انه من الضروري من منظور استراتيجي إنشاء سدات على مختلف مجاري المياه حيثما أمكن ذلك، مما يساهم في تجميل المكان ويسمح بتربية الأسماك وتنمية السياحة الاستجمامية، بالإضافة إلى المساهمة في تغذية المستودعات الجوفية بالمياه.
أما بالنسبة لتنمية الموارد المائية الجوفية فثمة إمكانيات غير مستنفذة على هذا الصعيد.فمن المعروف أن الموارد المائية الجوفية تؤمن النسبة الأكبر من حاجة سورية إلى المياه، ويساعد في ذلك انتشارها في جميع مناطق القطر،مع أنها أحواض صغيرة ذات أهمية محلية فقط.غير أن تنمية هذه الموارد المائية لا يحظى بالأهمية التي تستحقها، بل وصل استنزافها في بعض المناطق حدود الخطر.وقد فاقم من المشكلة مواسم الجفاف المتتالية خلال السنوات الماضية، غير أن الموسم المطري الجيد لعام 2002-2003 قد لطف منها بعض الشيء.وتبقى المشكلة مع ذلك رهينة المواسم المطرية وتقلباتها. على الصعيد الاستراتيجي يمكن إيجاد حل طويل الأمد لهذه المشكلة من خلال إعداد الدراسات الهندسية وإنشاء منظومات للتخزين الجوفي، خصوصا وان الأمطار في سورية تسقط خلال فصل الشتاء، فيضيع أغلبها بالبخر أو بالجريان إلى البحر.وهذه الممارسة معروفه دوليا، غير أنها تتطلب توفر الامكانات الاقتصادية والفنية لإنجازها.
وحتى يتم إنجاز ذلك لا بد من الاستمرار في استكشاف الموارد المائية الجوفية وإعادة تقويم المعطيات المتعلقة بها، والعمل على استثمار المكتشف منها بصورة سليمة خصوصا الينابيع والأنهار التحت أرضية التي تصب في البحر.
بالنسبة لمشروع الاستمطار فإن إمكانية التعويل عليه على أهميتها تبقى محدودة.فزرع الغيوم يقتصر على فصل الشتاء، ولا يمكن التحكم بمكان التهطال.
على المدى البعيد فإن حل مشكلة المياه بصورة نهائية وجذرية يعتمد على تحلية مياه البحر، فهي من الناحية النظرية مورد غير محدود.غير أن ما يحول دون ذلك حتى الآن التكاليف العالية لعمليات التحلية، بسبب تخلف التكنولوجيات المستخدمة وتعقيدها ونفقات تشغيلها.ربما يحمل لنا المستقبل مفاجآت على هذا الصعيد، فالأبحاث العلمية في مجال تطوير تقنيات وطرق التحلية متواصلة في العديد من دول العالم، وهي واعدة. في هذا المجال اللافت للانتباه اختراع العالم السكوتلندي ستيفن سالتر البروفسور في جامعة أدنبرة. لقد طور العالم المذكور توربينا يعمل على حركة الرياح ينصب على ارتفاعات تمتد من 30 إلى 200 قدم فوق مياه البحر، يعمل على تبخير مياه البحر وتشكيل غيوم محملة بالأمطار. لقد حصل التصميم المقترح على دعم مجلس أبحاث العلوم الفيزيائية والهندسية البريطاني. يمكن أن يوضع جهاز توليد المطر على طواف أو مركب بحري في أي موقع قريب من شواطئ المناطق الجافة التي تتكون فيها الغيوم الخفيفة عادة.
يستخدم التصميم توربين “داريوس”Darius، وهو توربين متوفر في الأسواق يعمل بمحور عمودي يتحرك بدفع الرياح.وكان سالتر قد قدم دراسته التي حملت عنوان “التوربينات الرشاشة تزيد الأمطار بطرق تعزيز التبخر من البحر” أمام مؤتمر للجمعية البحرية الدولية للبحر الأبيض المتوسط عقد في جزيرة كريت في اليونان.وحسب الدراسة فإن التصميم المقترح سوف يؤمن المياه المحلاة بتكاليف رخيصة جداً(حولي الدولار لكل 500 م3 من المياه)، بل أن تركيب مئات الآلاف من هذه الأجهزة المولدة للأمطار سيقلل من ارتفاع مستوى سطح المحيطات بثلاث أقدام(90 سم) مما سيدرأ عن البشرية مخاطر الفيضانات التي تهدد الأرض بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري.


6- ترشيد استعمالات المياه في سورية:


إن تنمية الموارد المائية في سورية تكاد تصل إلى نهايتها، لقد أصبح أفقها مرئيا، لذلك لا مناص من الإلتفات إلى ترشيد استعمالاتها.في هذا المجال ركزت الدراسة على تفحص واختبار العوامل التالية:
أ –تطوير أساليب الري واستخدام الطرق الحديثة ومنظوماتها المناسبة في الري.
ب-تطوير التركيبة المحصولية واستنباط أصناف جديدة أقل استهلاكا للمياه.
ج- تقليل الفاقد في شبكات الري.
د-تحسين إدارة الموارد المائية.


6-1 تطوير أساليب وطرق الري واستخدام المنظومات الحديثة


مع أن الطرق التقليدية في الري، وخصوصا طريقة الري بالغمر، يمكن استخدامها في مختلف الأراضي، وهي قليلة التكاليف ولا تحتاج إلى مهارات خاصة، غير أنها تستهلك كميات كبيرة من المياه وقد تتسبب في تملح التربة، وهي بصورة خاصة ضعيفة الكفاءة الاقتصادية.لذلك فإن ترشيد استعمال المياه في الري يعني عمليا الانتقال من طرق الري بالغمر إلى طرق الري بالرش أو بالتنقيط.
الري بالرش يحاكي سقوط المطر، وبالمقارنة مع طرق الري بالغمر فهو يحافظ على المياه، ويحد من هدرها ويسمح بالتحكم بكمية المياه التي تقدم إلى وحدة المساحة بحيث تصل إلى العمق المطلوب.
تشير الدراسات إلى أن الري بالرش يوفر من 65 إلى 75 بالمائة من إجمالي كمية المياه التي تطلبها طرق الري بالغمر، وهو يسمح بتقديم الأسمدة إلى التربة من خلال منظومة الري.ويمكن استخدام الري بالرش في جميع الأراضي خصوصا تلك المعقدة طبوغرافيا، وفي جميع أنواع التربة خصوصا في التربة الرملية والتربة الخفيفة.تقل كفاءته في المناطق المعرضة لهبوب الرياح القوية.
أما طرق الري بالتنقيط فهي من أحدث طرق الري وأكثرها كفاءة، وتتميز بأنها تقدم الماء للنباتات عند قاعدتها مباشرة في منطقة انتشار الجذور.تعتبر طرق الري بالتنقيط جيدة في الأراضي ذات النفاذية العالية وفي الأراضي المنحدرة، وفي الأراضي الثقيلة، وخصوصا لري الأشجار المثمرة مثل الحمضيات.
يسمح الري بالتنقيط بتأمين المياه بحدود 75إلى 100 بالمائة من السعة الحقلية، كما انه يوفر نحو 20 إلى 30 بالمائة من المياه بالمقارنة مع طرق الري بالرش.
تفيد حساباتنا بان استخدام طرق الري بالرش وبالتنقيط لري نحو 50 بالمائة من إجمالي المساحة المروية، يمكن أن يوفر نحو 30إلى 35 بالمائة من إجمال كميات المياه المستخدمة في الري في سورية بالطرق التقليدية، كما أنها سوف تزيد الكفاءة الاقتصادية لكل وحدة مياه مستخدمة بنحو 30 بالمائة.


6-2 تحسين التركيبة المحصولية واستنباط أصناف جديدة اقل استهلاكا للمياه


تختلف المحاصيل الزراعية من حيث طول دورة حياتها وتطلبها للمياه. القطن مثلا يتميز بفترة حياة متوسطة الطول، لكنه يتطلب كميات كبيرة من المياه بالمقارنة مع القمح.ومع أن القمح لا يتطلب كميات كبيرة من المياه للري، إلا انه لا يتحمل الزيادة أو النقصان فيها. على العكس فإن الرز لا يتأثر بزيادة المياه،إلا انه يتأثر كثيرا بنقصانها.من هنا انبثقت فكرة المقنن المائي البيولوجي والمقنن المائي الاقتصادي. الأول يعبر عن كمية المياه التي يحتاجها المحصول لكي ينمو بصورة طبيعية، أما الثاني فإنه يعبر عن كمية المياه التي يروى بها المحصول بحيث يعطي أعلى إنتاج أو أعلى عائد اقتصادي.
لقد تبين من خلال الدراسة أن المحاصيل في سورية قد استقرت جغرافيا تحت تأثير العوامل المناخية والطبيعية والاجتماعية،وإن تدخل العوامل الاقتصادية لتغيير هذه الوضعية قد يكون أمرا صعبا في الظروف الراهنة.أضف إلى ذلك فإن توزيعها الحالي يلائم الوضع المائي السوري إلى درجة كبيرة.قد تطرح المسألة بقوة أكبر في إطار التكامل العربي في المجال الزراعي، عندئذ لا مناص من الاستفادة من المزايا النسبية بصورة عامة ومن تلك العائدة إلى توفر المياه وعلاقتها بالمحاصيل المزروعة.
فيما يتعلق باستنباط أصناف جديدة اقل استهلاكا للمياه، أو تستطيع النمو في المياه المالحة، لا تزال الأبحاث المحلية في هذا المجال شبه معدومة، مع أنها تشكل محورا هاما من محاور التنمية المستدامة للموارد المائية وترشيد استعمالاتها.


6-3 تقليل الفاقد في شبكات الري


خلال رحلة المياه من مصادرها عبر شبكة الري وحتى وصولها إلى الحقل تتعرض لفقد كبير سواء عن طريق التبخر أو التسرب أو النتح.تشير الدراسات في هذا المجال إلى أن الفاقد من المياه المنقولة في شبكات مكشوفة يتراوح بين 10 و20 بالمائة من إجمالي كمية المياه في الشبكة.ويمكن توفير من 10 إلى 15 بالمائة من مياه الري في حال استبدلت الشبكات المكشوفة بشبكات من المواسير تحت أرضية. وتبين تجربة ري السهول المحيطة بمنطقة اللاذقية أنه يمكن تأمين ضغط كاف في شبكة المواسير يكفي للري بالرش أو بالتنقيط.
بالإضافة إلى فاقد المياه في الشبكات المكشوفة، هناك الفاقد من المياه في الحقل، وهو يختلف بحسب طريقة الري المستخدمة.تبين الدراسات في هذا المجال أن كفاءة الري بالغمر لا تزيد عن 50 بالمائة في حين تتراوح كفاءة الري بالرش بين 60 و 70 بالمائة، وترتفع كفاءة الري بالتنقيط إلى 80-86 بالمائة .
لا يقتصر الضياع في المياه على شبكات الري،بل يحصل ذلك في شبكات نقل المياه إلى المنازل أيضاً. فحسب مصادر وزارة الإسكان والتعمير في سورية فإن نحو 25 بالمائة من إمدادات المياه للأغراض المنزلية والبلدية والصناعية يضيع في الشبكة.


6-4 تحسين مستوى إدارة الموارد المائية


موضوع المياه شأن حكومي، تديره من خلال منظومة إدارية تبدأ على مستوى الوزارات وتنتهي إلى المصالح المختصة على مستوى المحافظات والمدن والبلدات. فوزارة الإسكان والتعمير تشرف على مشاريع المياه التي تزود المنازل والبلديات والمؤسسات الصناعية بالمياه، تتبع لها مديريات ومصالح على مستوى المحافظات والمدن. أما وزارة الري فتشرف على الموارد المائية المخصصة للري، وقد قسمت القطر إلى سبعة أحواض مائية تديرها إدارات عامة.
قد يكون من المفيد إخضاع جميع الموارد المائية في القطر، بغض النظر عن الغرض من استعمالها لإدارة واحدة بدلا من الإدارات القائمة المتعددة،مما يخفف من الأعباء الإدارية وتكاليفها.
من الناحية التشريعية فقد صدر في سورية أكثر من 155 تشريعا مائيا(مرسوم، قانون، قرار، بلاغ، تعليمات..الخ) من بداية القرن الماضي وحتى الوقت الراهن، مخصصة لتنظيم وإدارة الموارد المائية، وحسن الانتفاع بها وحمايتها من التلوث والتعديات.وعلى أهمية تطوير التشريعات المائية لتواكب المستجدات ، غير أن العبرة تبقى دائما بمدى احترام القانون وتطبيقه.فالتعديات على الموارد المائية السطحية والجوفية منتشرة في جميع مناطق القطر، والسلطات المعنية لا تحرك ساكناً. لقد خسرنا حوض السلمية المائي نتيجة التعامل الجائر معه، وانخفض منسوب المياه في حوض دمشق نتيجة لانتشار الآبار الكثيرة غير المرخصة..الخ.والأخطر من ذلك أن العديد من مصادر المياه في سورية تتعرض للتلوث من جراء انتشار المعامل والمدن الصناعية حولها، وصرف المياه المالحة فيها دون معالجة.فلم تعد هناك حرمة لنهر أو نبع مع أن القانون يشدد عليها.
من جهة أخرى لا تكون الإدارة متكاملة وفعالة بدون قاعدة معلومات متطورة، لهذا الغرض فقد تم إنشاء شبكة من محطات الرصد والمتابعة للموارد المائية وقد زودت بالكادر المناسب.لقد بلغ عدد هذه المحطات في سورية نحو 275 محطة، منها ما يقوم بالرصد وإجراء القياسات على مدار الساعة، ومنها ما يقوم بالمراقبة والتحقق ثمان مرات في اليوم وأخرى تجري قياساتها أربع مرات في اليوم.من الأهمية بمكان ربط هذه المحطات بشبكة معلوماتية واحدة وتحديث تجهيزاتها.
تشكل المعلومات المتجمعة من محطات المراقبة الأساس في اتخاذ القرارات الإدارية، وتخطيط المشاريع، وفي رسم السياسات المائية بصورة أعم وأشمل.


6-5 تأمين حصة سورية العادلة والمعقولة من المياه المشتركة مع الدول المجاورة:

المصدر الوحيد الذي يمكن أن يجسر الفجوة المائية في الميزان المائي السوري خلال الخمسين سنة القادمة هو حصول سورية على حصة عادلة ومعقولة من مياه نهري الفرات ودجلة، واستعادة سيادتها على مياه الجولان المحتل.
بين سورية والدول المجاورة قضايا مائية معقدة وشائكة، استطاعت سورية والدول العربية المجاورة أن تجد حلا مرضيا لما يخصها من تلك القضايا المشتركة.فقد وقعت سورية والأردن في عام 1987على اتفاقية جديدة لبناء سد على نهر اليرموك واستثماره لصالح البلدين.وتوصلت سورية والعراق في عام 1990 ،بعد تاريخ من العلاقات المائية المتأزمة بين البلدين، إلى اتفاقية لاقتسام مياه نهر الفرات مقدرة عند الحدود السورية التركية بنسبة 58 بالمائة للعراق و42بالمائة لسورية.أما بخصوص الموارد المائية المشتركة بين سورية و لبنان، فقد توصل البلدان إلى اتفاقية لاقتسام مياه نهر العاصي مقدرة عند بلدة الهرمل في لبنان وصدرت الاتفاقية في سورية بالقانون رقم15 تاريخ 11/12/1994،وتتابع تنفيذها لجنة مشكلة لهذا الغرض وقد وقع البلدان اتفاقية لإنشاء سد على نهر الكبير الجنوبي واستثماره لصالح البلدين.
وتبقى قضايا المياه بين سورية وكل من تركيا و”إسرائيل” بلا حل، نظراً لأطماعها السافرة في المياه السورية.
بالنسبة لقضايا المياه المشتركة بين سورية وتركيا فقد أخذت مساراً خطيراً منذ أن شرعت تركيا بتنفيذ مشروع جنوب شرق الأناضول المعروف اختصاراً بالغاب G.A.P.
لقد دأبت تركيا التعبير عن وجهة نظرها من قضايا المياه المشتركة مع سورية والعراق في دراسة تحمل عنوان (قضايا المياه بين تركيا وسورية والعراق ) أعدتها وزارة الخارجية التركية في عام 1997، وقد ردت عليها سورية في دراسة أعدتها الدائرة القانونية في وزارة الخارجية السورية عام 1998 مفندة إياها وطارحة وجهة النظر السورية.
وبالرجوع إلى البيانات المتعلقة بتصريف نهر الفرات ومقارنتها مع حجم المطالب الاستهلاكية للدول الثلاث ترى تركيا انه من المستحيل تلبيتها. حيث أن (88.7)بالمائة من إجمالي إيرادات نهر الفرات المائية تأتي من تركيا، في حين تساهم سورية بنحو (11.5) بالمائة، بينما العراق لا يساهم بأية كمية.مع ذلك ترى تركيا أن مطالب الدولتين (سورية والعراق) تبلغ على التوالي(22) بالمائة و(43) بالمائة من الاستهلاك المستهدف، أما تركيا فإنها تزمع استخدام نحو (35) بالمائة من مجموع الاستهلاك المستهدف. ونظراً لأن الاستهلاك المستهدف يزيد بمقدار (17.3) مليار م3 عن إجمالي تصريف النهر في السنة، لذلك من المستحيل تلبية المطالب الاستهلاكية للدول الثلاث.
وللخروج من هذا المأزق تقترح تركيا نقل جزء من إيرادات نهر دجلة إلى نهر الفرات، خصوصاً وان العراق ينتفع بالجزء الأكبر من إيرادات النهر، وبذلك تستطيع الدول الثلاثة تنفيذ جميع مشاريع الري التي تخطط لها في حوض الفرات.
من جهة أخرى فإن قضايا المياه بين سورية و” إسرائيل ” لا تقل تعقيداً عن مثيلتها بين سورية وتركيا. وبالمقارنة مع نهري دجلة والفرات، فإن سورية ولبنان هما دولتا المنبع، في حين أن فلسطين والأردن هما دولتا المجرى والمصب. مع ذلك فإن ” إسرائيل ” تتحكم بموارد المياه في حوض نهر الأردن وفي الجولان السوري المحتل وفي جنوب لبنان، وتستخدمها لمصلحتها.
إن موضوع المياه كان حاضراً دائما في الذهنية الصهيونية منذ أن بدأ العمل على إخراج الحلم الصهيوني في وطن قومي لليهود في فلسطين، من حيز الإمكان إلى حيز الفعل في بداية القرن الماضي.ومع أن الظروف السياسية التي رافقت مراحل تحقيق المشروع الصهيوني لم تكن ملائمة لتحقيق كامل الأطماع الصهيونية المائية عند إنشاء دولة “إسرائيل ” في عام 1948، إلا أن ذلك لا يعني التخلي عنها، بل على العكس فكلما أتيحت فرصة مناسبة كان الصهاينة يحققون ما يمكن تحقيقه منها. لذلك بعد عدوان حزيران في عام 1967، وما نجم عنه من احتلال ” إسرائيل ” لأغلب منابع المياه في الجولان السورية وفي جنوب لبنان وفي فلسطين، تحولت قضية المياه إلى أحد الأسباب التي دفعتها إلى شن عدوانها المذكور. فقد تحدث الكاتب الأمريكي جون كيلي عن حرب المياه في المنطقة قائلاً ” إن المياه ليس ضرورياً للحياة .. بل هو الحياة نفسها.. تُبرز هذه الملاحظة أمراً أساسياً في سياسات الشرق الأوسط، وهي أنه، في الحقيقة، بعد نضوب النفط، من المحتمل أن يسبب الماء الحرب.. وإن مياه الليطاني والأردن واليرموك كانت سبباً في حرب عام 1967 “. وفي الندوة الدولية التي عُقدت في عمان تحت عنوان ” إسرائيل والمياه العربية ” قدم الباحث الأمريكي توماس سنوفر مداخلة بعنوان ” المياه: غنائم حرب ” قال فيها ” إن أطماع إسرائيل في المياه العربية هي جزء من مفهوم إسرائيلي متكامل لسياسة الموارد التي تشمل النفط والمعادن.. بالإضافة إلى المياه، وإن تخلي إسرائيل عن الأراضي التي احتلتها عام 1967 يعني تخليها عن غنائم حرب “. وأضاف الباحث الأمريكي ” لقد استنفدت إسرائيل مصادرها المائية … فمن خلال استغلالها لمياه الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان وفرت إسرائيل سنوياً ملياري دولار ثمناً للمياه”.
إن موضوع المياه مطروح على جدول المفاوضات السورية الإسرائيلية التي ما إن تبدأ حتى تتوقف لأجل غير معروف كما هو حالها في والوقت الراهن، وهو من الموضوعات المعقدة التي تمثل نقطة خلاف جدية بين الطرفين.ومع أن تفاصيل ما دار على طاولة المفاوضات غير معروف على وجه الدقة، فإن ما تسرب منه إلى وسائل الإعلام يكفي لتكوين انطباع عام. فإسرائيل لا تريد أن تتقيد بالمرجعيات القانونية السابقة المتعلقة بالمياه المشتركة بين سورية ولبنان وفلسطين والأردن التي أبرمتها سلطات الانتداب في حينه، وخصوصاً معاهدة عام 1920 ( المادة الثامنة منها )، ومعاهدة عام 1922 ( المادة الرابعة منها )، ومعاهدة عام 1926( المادة التاسعة منها). ولا توافق على إخضاع المشكلة برمتها إلى القانون الدولي المختص والقواعد القانونية الدولية ذات العلاقة. وبدلاً من ذلك تطالب “إسرائيل” باتفاق ثنائي يحقق لها ما تريده دون أن تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول العربية، وهذا ما ترفضه سورية باستمرار.


7-الاستنتاجات والمقترحات:


أ- سوف تواجه سورية في المستقبل القريب وضعاً مائياً صعباً، فالموارد المائية محدودة، وهي تصبح نادرة أكثر فأكثر بسبب تزايد السكان، والطلب على الغذاء، لذلك لا بد من المضي قدماً في تنمية الموارد المائية عن طريق بناء السدود والخزانات المائية السطحية، والعمل على ملء هذه الخزانات إلى حدودها التصميمية.كما لا بد من الاستمرار في تنمية رواجع الصرف الصحي والصرف الزراعي.
ب- بالنظر إلى الإمكانيات المحدودة في مجال التنمية الإيجابية للموارد المائية، فإن الانتقال إلى التنمية السلبية يصبح ضرورة ملحة. فترشيد استعمالات المياه، وخصوصاً الانتقال من طرق الري التقليدية إلى الطرق الحديثة، ومن شبكات نقل المياه المكشوفة إلى الشبكات المغطاة، والبحث في إمكانية تغيير التركيبة المحصولية بالعلاقة مع المياه، واستنباط أصناف نباتية جديدة موفرة للمياه، أو تستطيع النمو في المياه المالحة، يمكن أن توفر كميات هامة من المياه تساعد في تأخير لحظة العوز المائي العضوية.
ت- إن مشروع جنوب شرق الأناضول الذي تنفذه تركيا سوف يؤثر تأثيراً كبيراً على تصريف نهر الفرات مما يلحق ضرراً بالغاً بسورية والعراق، لذلك من الضروري إثارة المشكلة باستمرار مع تركيا وفي المحافل العربية والدولية. ومما له دور هام في ردع تركيا عن المضي قدما في تنفيذ سياستها المائية الراهنة قيام تعاون وتنسيق سوري عراقي متين وتضامن عربي حقيقي.
ث- الأطماع الصهيونية في المياه العربية هي أطماع حقيقية وجدية، وهي جزء لا يتجزأ من المفهوم الصهيوني للأمن، لا بد من مقاومتها بالإصرار على التمسك بالحقوق والشرعية الدولية. ومن الأهمية بمكان خلق تضامن عربي فعال في مواجهة أطماع “إسرائيل في المياه العربية.
ج- وفي مختلف الظروف يجب العمل باستمرار على حصول سورية على حصة عادلة ومعقولة من مياه نهري الفرات ودجلة وفق القوانين الدولية المختصة.وفي هذا المجال يمكن أن تشكل السيناريوهات المقترحة أساساً جيدا للتفاوض بشأن تخصيص المياه المشتركة مع تركيا.
ح- لا بد من تفعيل المراكز البحثية المختصة بالشأن المائي، وتكثيف الدراسات والبحوث المائية خصوصا فيما يتعلق بتنمية المصادر المائية غير التقليدية، مثل مشروع الاستمطار ورواجع الصرف الصحي والزراعي، وحتى تحلية مياه البحر.
خ- من الضروري تطوير إدارة الموارد المائية وتوحيد الجهات الوصائية عليها، بما يقلل من الإجراءات البيروقراطية ويحسن من كفاءتها.وفي هذا المجال لا بد من التشدد في تطبيق القوانين المائية،وردع المعتدين على الموارد المائية، أو يهدرونها بصورة غير مجدية.
د- من المفيد النظر بجدوى استخدام تسعير المياه كوسيلة اقتصادية لتنظيم الانتفاع بالموارد المائية.
ذ- على المدى الاستراتيجي فإن حل مشكلة المياه في المنطقة يمكن أن يتحقق من خلال التعاون العربي والإقليمي في مجال تنمية وإدارة الموارد المائية الدولية، لكن ذلك يتطلب مناخاً سياسياً مختلفاً يتم خلاله التخلي عن نزعة الهيمنة، والبحث عن حلول عادلة للقضايا السياسية العالقة، يقوم على مبادئ حسن الجوار والتعاون والتكامل الاقتصادي والسياسي والثقافي …الخ.
ر- وأخيرا لا بد من العمل على خلق ثقافة مائية لدى جمهور المواطنين تساهم في ترشيد تعامله مع الموضوع المائي. في هذا المجال يمكن أن يلعب الإعلام الجماهيري والندوات الإعلامية دورا مهما.وقد يكون من المناسب تخصيص حصص دراسية في المدارس على مختلف مستوياتها للتعريف بخطورة الوضع المائي في سورية.

………………………………………………………………………………………………………………………………………………

(بقلم حسان غانم، الحوار المتمدن)