المياه وكيفية الحفاظ عليها
يجب الحفاظ علـى المياه من التلوث، فإن الماء هو من أهم عناصر الحياة، فهـو المكوّن الأساسي لتركيب مـادة الخلية، حيث يكوّن القسم الأعظم من جميع الخلايا الحية فـي مختلف صورها وأشكالها وأحجامها وأنواعها مـن النبات والحيـوان والإنسان، وهو يكون نحو (90% ) من أجسام الأحياء في الدنيا، ونحو (60 إلى 70% ) من أجسام الأحياء الراقية بما في ذلك الإنسان.
و معلوم أن الماء سبب حياة كل شيء حيّ على سطح الأرض أو في سمائها أو في بحارها، فقد قال الله سبحانه: (وجعلنا من الماء كل شيء حـيّ أفلا يؤمنون). ومن دون الماء لا يمكن لخلايا الجسم الحيّ أن تحصل على الغذاء، فالماء مكوّن رئيسي لأجهزة نقل الغذاء في الكائنات الحيّة والفضلات السامة الناتجة عن العمليات الحيوية كالبـول والعرق وتطرح خارج الجسم الحيّ ذائبة في الماء.
والماء ضروري لقيام كل عضو في جسم الإنسان بوظائفه على الوجه الأكمل، فمن دون الماء لا يمكن لهذا العضو وغيره من الاستمرار في عمله والإبقاء على وجوده، فقد قال سبحانه: (وهو الذي أنـــزل من السماء مـــاءً فأخرجنا به نبــــات كل شـــيء )، وقد ورد الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: (الناس شركاء في ثلاثة النار والماء والكلأ).
والمـاء سواء كان مالحاً أو عذباً، بيئة خصبة للكثير من المخلوقات والكائنات الحية، ولذا قـال سبحانه: (وهو الذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحماً طريّاً …)، وقـال تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم …). وقال سبحانه: (وهـو الذي أنزل من السماء ماءاً فأخرجنا به نبات كل شيء …)، ومـن الواضح أن للماء حرارة نوعية عالية وبذلك يُعدُّ وسطاً ممتازاً لانتقال الطاقة الحرارية، كما أن الماء مذيب جيد للكثير من المواد والمركبات الكيماوية وبدون الماء لا يكون شجر ولا حيوان ولا إنسان.
ومن الحِكَم الربانيّة أن كمية الماء في الأرض تظلّ ثابتة لأنها تسير وفق دورة متكاملة، فالذي يتبخر من الماء يعود إلى الأرض في صورة المطر وهكذا دواليك، فلا يمكن زيادة الماء ولا إنقاصه، بخلاف سائر مخلوقات الله سبحانه وتعالى كالنباتات والأسماك والحيوانـات والطيور وغير ذلك. وكذلك المواد الحرارية كالنفط والفحم الحجري وما أشبه ذلك، فقد قال سبحانـه: (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابـاً فسقناه إلى بلد ميّت فأحيينا به الأرض …).
ويظهر من الآيات القرآنية والروايات أن فـي الآخرة يوجد ماءٌ أيضاً، كما ورد في القرآن الكريم: (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه وأنهار من خمر لذّة للشاربين وأنهار من عسل مصفّى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماءً حميماً فقطّع أمعائهم)(10)، فإن في كل من الجنة والنار ماء أيضاً.
تغطي مياه المحيطات (70,8% ) من مساحة الكرة الأرضية(12) أما البحـيرات والأنهار فتغطـي ( 3% ) من مساحة الأرض بالإضافة إلى الجليد الذي فـي القارة القطبية الجنوبية وفي غريلندا وهي أكبر جزيرة على سطح الكرة الأرضية وكذلك في أعالي الجبال. وعلى هذا فالمياه تنقــــسم إلى ثلاثة أقسام: مياه المـــحيطات والمياه الجوفية والمياه الجليدية. فمساحة المحيطات أكثر من (300 مليون) كيلو متر مربع. أما مساحة المياه الجوفية، فهي (60 ألف) كيلو متر مربع، ومساحة المنطقة الجليدية (24ألف) كيلو متـر مربع(13)، وفـي قارتـي آسيا وأوربا يقطن (70% ) من سكان العالم، وهي تضم (39% ) من مياه الأنهار.
ودور المياه في الصناعة كبير جداً، إذ تتركز الصناعة حول مصادر المياه والأنهـار والبحيرات، حيث يستعمـل الماء كمذيب في الصناعة وفي التبريد والتنظيف وغيرها من العمليات. وقد أشار القرآن الكريم إلى احتياج الإنسان والحيوان والنبات إلى الماء احتياجاً كبيراً، والغالب أن يكون الماء مصدر الأمطار التي تتساقط في الأنهار والأودية والغدران. كما وإن ماء المطر هو في الأصل ماء البحر بعد التبخر، وعملية التبخير هي عملية تقطير للماء وعزله عن الملوثات وعن الأملاح، وقـد قال تعالى: (وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجا)، وقال سبحانه: (أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنـزلون)، وقال عزّ اسمه: (الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء ماءً فأخرج به مـن الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون)،
وعلى أي حال فإن كمية المياه العذبة الموجودة في الأرض كافية لتلبية احتياجات الإنسان في الوقت الحاضر وفي المستقبل القريب. إلاّ أننا بحاجة إلى برنامج ينظم بعدل توزيع المياه، على سبيل المثال نهر الأمازون وحده يحتوي على (15% ) من إجمالي كمية المياه العذبة، في حين يحتوي 15 نهراً غيره على (33% ) فقط من هذا الإجمالي.
صورٌ من تلوّث المياه
وتلوث الماء مـن الأمور المهمة التي جَلبت انتباه العلماء المتخصصين في مجال حماية البيئة. وقـد عرّفوا تلوث الماء بأنه إحداث تلف أو إفساد بنوعية المياه مما يؤدي إلـى حدوث خلل في نظامها بصورة أو بأخرى بما يقلل من قدرتها علـى أداء دورها الطبيعي، بل تصبح ضارة مؤذية عند استعمالها أو تفقـد الكثير مـن قيمتها الاقتصاديـة، وبصفة خاصة مواردها من الأسماك والأحياء المائية. ويتحقق ذلك بتدليس مجاري المياه من أنهار وبحار ومحيطات وغير ذلك. إضافة إلـى مياه الأمطار والآبار والمياه الجوفية مما يجعل من هذه المياه غير صالحـة للحيوان والنبات حتى الأحياء التي تعيش في الوسط المائي، وبالتالي يرجـع الضرر إلى الإنسان، لأن الإنسان هـو الذي يستعمل الماء، والأمور القائمة به من حيوان أو نبات أو ما أشبه ذلك.
ويتلوث الماء عـن طريق المخلَّفات الإنسانية أو النباتية أو الحيوانية أو المعدنية أو الصناعية أو الكيماوية التي تُلقى أو تُصبّ في الماء سواء كان الإلقاء في البحار أو البحيرات أو الأنهار أو المياه الجوفية أو ما أشبه ذلك.
وقد ذكر العلماء عدّة صور لتلوث المياه مثل استنـزاف كميات كبيرة مـن الأوكسجين الذائب في مياه المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار، وما أشبه ذلك، مما يؤدي إلى تناقص أعداد الأحياء المائية. ومثل زيادة نسبة المواد الكيماوية في المياه مما يجعلها سامة للأحياء. وثمة أنهار كادت أن تصبح خالية مـن مظاهر الحياة بسبب ارتفاع تركيز الملوثات الكيماوية فيها. ولعل البحر الميت الواقع بمحاذاة الأردن مـن هذا القبيل، فإنه من مخلفات العذاب الذي صُبَّ على قوم لوط لفعلهم السيئ.
كما وإن نمـو الجراثيم والطُفَيليّات والأحياء الدقيقة في المياه يقلل من قيمة الماء كمصـدرٍ للشـرب أو ريٍّ للمحاصيل الزراعية أو حتى للسباحة والترفيه وما أشبه ذلك أو قلّة الضوء الذي يعدّ ضرورياً بالنسبة إلى نمو الأحياء النباتية المائية كالطحالب والعوالق. بالإضافة إلى أن الطحالب تكوّن من طعام الإنسان.
وقـد أخذ تلوث الأنـهار والبحيرات يزداد بشكل سريع بعد الحرب العالمية الثانيـة، وذلك نتيجـةً لزيادة الإنتاج الصناعي ومخلفاته من الأحماض والمعادن والقلويات والأملاح والزيوت وغيرهـا، والتي بلغ عددها أكثر من (300) مادة على ما أحصاه بعض العلماء. وقد تضاعف تركيزها في المياه أكثر مـن مـرّة عمّا كان عليـه قبل الحرب العالمية الثانية، وتلوثت الأنهار بالجراثيـم والعصيّـات (الكوكز) والحمّى والكزاز وفيروس شلل الأطفال وبيوض الطفيليات، بالإضافة إلـى المواد الكيماويـة الناجمة عن المخلفات الصناعية، والتي بلغت كمياتها فـي أنهار الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها حوالي (40 مليون) طن في سنة 1390ه (1970م).
وأصبح تلوث المياه في اليابان أكبر مما هو موجود في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد ظهرت العديد من الأمراض وخاصة لدى سكان السواحل، وترتبط هذه الأمراض بتلوث المياه بالزئبق والزرنيخ والنحاس وغيرها، والمياه الجوفية أيضاً هي مسربات من المياه السطحيّة.
وهكذا بسبب الاستعمال الزائد للمياه الجوفية في اليابان أخذت التربة تهبط في العديد من المدن الكبرى. ويعاني في الوقت الراهن ثلث سكان الكرة الأرضية من نقص المياه، وينذر الخبراء بأن في الخمسين سنة القادمة سيصبح التلوث أمراً شائعاً وكارثياً فـي المياه التي هي الآن صالحة للشرب، مسبباً أمراضاً خطيرة، ليس للإنسان فقط بل يشمل الحيوان والنبات أيضاً.
كما تتلوث المياه الجوفية نتيجة لتسرب مياه المجاري ومياه التصريف التي تجتمع فيها المكروبات المختلفة بالإضافة إلى المركبات الكيماوية، فيجعل الماء غير مستساغ للاستعمـال سواء للإنسان أو للحيـوان أو لنمو النبات مثل اكتسابه الرائحة الكريهة أو اللون أو المذاق السيئ.
أما تلوث المحيطـات والبحار فلا يقلّ عـن تلوث البحيرات والأنهار لدرجة أنّ بُقع الزيت وجدت فـي الأجزاء المركزية من المحيط الهادي والمحيط الهندي.
ومما يزيد من خطر تلوث الوسط المائي كونه متصلاً في كل أنحاء الكرة الأرضية. لذا فإن تلوث مكان ما سينتشر على مساحة كبيرة. وكما أن المياه تجري مـن هنا إلى هناك، فتأخذ معها أمراض هذا المحيط إلى ذلك المحيط، وهكذا الحال بالنسبة إلى تلوث المياه الأخرى مـن مكان لآخر حيث يسري بسرعة مذهلة مع سرعة أمواج البحر وسرعة تيار الماء. وهذا النوع من التلوث ينذر بخطرين اثنين:
– الخطر المتوجه إلى الإنسان بصورة مباشرة.
– الخطر المتوجه إلـى الإنسان بسبب النباتـات والأحياء الأخرى، فإنه يعيش في المحيطات والبحار حوالي (180ألف ) نوعاً من الحيوانات، وحوالي (10آلاف) نوع من النباتات ويدخل قسم كبير من هذه الحيوانات في السلّم الغذائي للإنسان.
وقد بدأ الإنسان وبشكل ناجح في تطوير المزارع البحرية ذات المردود الاقتصادي، وقـد ذكر بعض علماء مصر أن بلداً كمصر تتمكن بواسطة المزارع البحريـة أن تضاعـف مـن عدد سكانـها مـن (60مليون) إلى (120مليون).
وتنتج البحار والمحيطات حالياً أكثر من (100مليون) طن من الأسماك سنوياً. أضف إلى الفوائد المتقدمة، فإنّ للبحار فائدة كبرى هي إنتاجها نصف ما يحتاجه الإنسان من الأوكسجين، وكذا تساعد على إيجاد التوازن الغذائي لثاني أكسيد الكربون.
والملاحظ أن التلوث يضرّ بكل ذلك، ولـذا نـلاحظ كثرة الأمراض وانتشارها في أوساط البشر مما لا سابقة له فـي التاريخ، وليس الأمر كما يقول بعضهم من أنه لا أمراض جديدة وإنما الجديد اكتشاف هذه الأمراض, ومـا ذكرناه يتطابق والحديث المروي الذي يشير إلـى هذه الحقيقة (كلمّا أحدث الناس معصية جديدة أحدث الله لهم أمراضاً جديدة) ، ويمكن أن يكون بالسببيّة مثـل حدوث مرض الإيدز الذي ينشأ نتيجة الشذوذ الجنسي، كما يمكن أن يكون بمجـرّد العلائميّة والقرينيّة لا العليّة مثل (إذا ظهر الزنا كثر موت الفجأة).
ولا ينجـم تلوث البحار والمحيطات فقط عن زيادة استغلال الثروات الطبيعية منها، بل كـون مياه البحـار والمحيطات تشكّل حاليّاً خزاناً كبيراً للنفايات، من فضلات المدن ومن نفايات المصانع، فأصبحت بعض السواحل قد فقدت قدرتها على جذب السوّاح.
دور النفط في التلوث المائي
ويأتي النفط فـي مقدمـة الملوثات خطـورة، وتدلّ الدراسات على أن (200 ألف) طن مـن النفط كافية لتحويـل بحر البلطيق من الناحية البيولوجية إلى صحراء قاحلة لا تعيش فيها الكائنات الحية ؛ وناقلة بترول واحدة كافية لتحقيق ذلك.
ومن مصادر تلوث البحار عملية تنظيف البواخر وناقلات النفط، والتي تسبب تسرب (10 مليون) طن من النفط إلى البحر، ويكون تركيز النفط عالياً بشكل خاص في المناطق الساحلية.
وتشكو البحار المغلقة من مشكلة التلوث أكثر من غيرها، ويعتبر البحر الأبيض المتوسط من البحار المغلقة التي تعاني من مشكلة التلوث. وهناك تحذير من قبل العلماء بتحويل البحر الأبيض المتوسط إلى بحر ميّت إذا ظلّت معدلات التلوث بهـذا الشكل خصوصاً مـن قبل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا لذا كانت السواحل الفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة أكثر المناطق تضرّراً مـن تلوث البحر الأبيض المتوسط.
وقد قدّر الباحثون الفرنسيّون أنه قبل عشرين عاماً كانت الجراثيم الملوثة لا توجد على بعد أكثر من (200) كيلو متر عن الشاطئ الفرنسي ولكنها وصلت حالياً إلى مسافة تزيد عن (320) كيلو متراً.
ومن أخطر أنواع التلوث البحري النفط الذي يشكل طبقة عازلة تمنع التبادل الغازي بـين الماء والهـواء، فتمنع وصول الأوكسجين إلى الكائنات البحرية. كما وإن التصاق البقع النفطية بالأجسام يسبب لها أمراضاً خطيرة.
وقد أدّى غرق ناقلة نفط واحدة سنة 1396ه (1976م) بحمولتها البالغة (109 ألف) طـن إلى أضرار مادية تقدّر بأربعمائة مليون فرنك فرنسي، وتسبب في حرمان (40 ألف) عائلة من عملها الذي قوامه صيد الأسماك. هـذا بالإضافة إلى الأضرار التي ألحقت بالنباتات والحيوانات البحرية، والتي مـن الصعب تقديرها. ومثل هذه الأضرار تمتد أحياناً عقوداً مـن الزمان. وتشكل قطرات النفط طبقة دقيقة جداً تعزل الماء عن الوسط الخارجي وتمنع بالتالـي التبادل الغازي فتنتشـر قطرة واحدة من النفط على مساحة يصل قطرها إلى (150 سنتمتر) كما ويغطي طن واحد من النفط مساحة قطرهـا ( 12 كيلـو متراً)، ويشكل النفط طبقة على سطح الماء تتراوح سماكتهـا بين (1 سنتمتـر إلى 2 سنتمتر)، فينقطـع التفاعل بين الأوكسجين الخارجي والأوكسجين الموجود في الماء، وكثيراً ما يعلو من مثل هذا السطح البخار الملوث، مما يضرّ الزرع والإنسان بأضرار بالغة.
المخلّفات الصناعية والتلوث المائي
وإلى جانب النفط هنـاك مخلَّفات الصنــاعات التي تتجه صوب البحر، وتعتبر مصدراً من مصادر التلوث، فيتلوث الماء بالمعادن والأملاح الكيماوية المختلفة كمصانع الحديد والصلب والسيارات و….
ومن المواد الملوثة التي تصل وبكميّات كبيرة إلى المياه، مادة الزئبق وهي مـادة شديدة السمّية، فالصناعـات الأمريكيـة وحدها تلقي سنوياً حوالي (500) طن من هذه المادة في المياه، والصناعات الفرنسية تلقي (50) طنّاً كما يتسرّب مـا حجمه (250ألف) طن مـن الرصاص إلى مياه البحار والرصاص ليس بأقل من الزئبق في السمّية.
ويرمى إلى المحيطات والبحار سنوياً حوالي (100) طن من الكادميوم، والذي يؤثر بشكل مباشر على مخ العظام، وبالتالي يتسبب في فقر الدم، لأن مخ العظام هو المسؤول عن صنع الكريات الحمر.
ويتسرب إلـى البحر حوالي (300) طن مـن النحاس بالإضافة إلى المعادن الأخرى كالنيكل، وكل ذلك يؤثر على الإنسان بصوّرة خاصّة وعلى بقيّة المخلوقات بصورة عامّة.
وقد ظهرت فـي مدينة (مينامـاتا) في اليابان منذ فترة ليست ببعيدة أمراضٌ خطيرة حيث لوحظ لـدى الصيادين تخلخل في النطفة وضعف في الرؤية، وظهرت أعراض شلل في عضلات اليدين والرجلين. وبعد الدراسة تبيّن أن السبب يعود إلـى تلـوث البحيرة الموجودة في المدينة بالزئبق حيث يقذف المعمل القريب من المدينة مخلفاته إلى الماء، وينتقل تأثير هذا التلوث إلى الأسماك ومنها إلى الصيادين الذين يـــتغـــذون علـى هذه الأسماك، وقد نجم عن ذلك إصابات بالموت بلغت حوالي (30 ألف) إنسان. كما ودلّت الدراسات على أثر هذا المرض في انتقاله وراثياً إلى أطفال الصيادين.
التخلص من الأعراض الناشئة من التلوث
ويتم ذلك بأمور:
الأول: ضبط الموازنة بين الصحة والاقتصاد، فلا يجوز إهمال الجانب الصحّي لصالح العامل الاقتصادي، فما الفائدة من وجود أكداس من المال في البنوك اليابانية مثلاً لو ابتُلي الشعب بالأمراض.
إن الإسلام جعل الإنسان هو المحور لا المادة، قال سبحانه: (هو الذي أنزل من السماء ماءً لكم). فالإنسان هو محور الكون حسب هذه الآية وغيرها من الآيات. يجب أن يصبح هدف الحكومات هو الإنسان وليس المادة، إذ المادة في خدمة الإنسان وليس الإنسان في خدمة المادة.
الثاني: إيجاد توصيـلات لنقل المياه الملوثة مـن أماكن تواجدها إلى المنخفضات، فتأسيس الأنابيب لهـذا الغرض لا يقل أهمية عن تأسيس أنابيب النفط.
الثالث: يلزم تقسيم الماء فـي المدن إلى صنفين: ماء صالح للشرب، وماء لتنظيف وإزالـة الأوساخ، حيث هناك ماءان: ماء للشرب وماء آخر يستفاد منه في أمور التنظيف ولسقي الحدائق.
الرابع: الإكثار من حملات التشجير التي لا تحتاج إلى سقي إذ إنها تصل بجذورها إلـى المياه الجوفية الموجودة فـي باطن التربة، أو استعمال أساليب التقطير في سقي المزروعات.
الخامس: الحفاظ علـى النظافـة قدر الإمكان سواء نظافة البيت أو المدرسة أو المدينة.
السادس: شـنّ حملات تنظيف شعبية في المدن، وذلك بدعوة أهالي المدينة إلى تنظيف بيوتهـم وشوارعهـم، وتتوقف عملية الإصلاح هذه على مقدار الوعـي و النية الصادقة.
أقسام التلوث المائي
ثم إن التلوث المائي قد يكون طبيعيّاً وهو تغيّر الماء بسبب رائحة كريهة أو تلوّن الماء بألوان الملوثات أو تغيّر مذاقه بسبب موت حيوان فيه وقد يكون غير طبيعي بسبب المخلّفات الصناعية. فقد يكون الماء مصدر سامّ يهـدد حياة الإنسان، إذا تلـوث بأحد المركبات الكيماوية مثـل الزئبق والرصـاص والزرنيخ أو أحد مبيدات الحشرات أو ما أشبه ذلك. ولا فرق هنـا بين كـون المادة الكيماويـة التي لوّثت الماء مادة قابلة للذوبان أو غير قابلـة للذوبان بـل تتراكم الكائنات الحية التي تعيش في الماء كالرصاص وما أشبه ذلك.
ومـن أعراض تلوّث المياه ارتفاع درجة حرارتها، فالماء المستخدم في عمليات التبريد وفي محطّات توليد الكهرباء وفي معامل الصلب والورق الذي يصرّف إلى البرك والأنهار والبحيرات يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة في تلك المياه.
كما وإن ارتفاع درجة الحرارة فـي المياه يؤدي إلى زيادة نمو الطحالب غير المرغوبة فيها وغير الصالحـة لغذاء الأحياء المائية، وينتج عن ذلك غازات كريهة وسموم تتراكم سنة بعـد أخرى لتقضي علـى الحياة في الوسط المائي الملوث بها. وينجم عـن التلـوث الحراري، فقس بيوض الأسماك قبل مواسم توفر الغذاء المناسب مما يجعلها تواجه خطر الإبادة الجماعية.
أما التلـوث البيولوجـي يعني وجـود مكروبات أو طفيليات مسببة للأمراض فـي المياه، كبعض أقسام الديدان أو البلهارزيا أو الطحالب أو ما أشبه ذلك، تسبب في تغيير طبيعة المياه ونوعيتها.
علـى أي حال فاللازم تجنيب البحيرات والبحار والأنهار وما أشبه ذلك، مـن المخلفات الصناعية التي يتم تصريفها إلى الماء، والتي تؤدي إلى تلوث الماء بالأحماض والقلويّات والأصباغ والـــمركبات الضارة والأملاح السامة والدهون والدم والبكتيريا والصابـون والمــنظفات الصناعية وما أشبه ذلك من الإفرازات التي يفرزهـا جسم الإنسان، وهـذه تنتقل إلى الأحياء عن طريق الجلـد والجروح والفـم، عند الاستحمام والسباحة أو عند تناول الأسماك والكائنات البحرية المصابة بهذه الأحياء الدقيقة المُمَرِّضة.
طرق الوقاية
وللوقاية من التلوث المائي بالإضافة إلى ما تقدم يجب أن نقوم بما يلي:
1- ملاحظة أماكن رشّ المبيدات التي تستعمل للمحاصيل الزراعية أن لا تكون بالقرب من الترع والقنوات والأنهار.
2- عدم صرف المياه التي يُغسل فيها الأموات إلى الأنهار وبعبارة أخرى معالجة مياه الصرف الصحي قبل دفعها إلى الأنهار.
3 ـ عدم إلقاء المواد البلاستيكية في المياه، لأن ذلك يسبب قتل الأسماك والطيور وإلحاق الضرر بها.
4- منع تصريف المياه الحارة الناتجة عـن المفاعلات النووية أو مراكز التحلية أو توليد الطاقة، إلى الأنهار والبحار،كما ينبغي عقد اتفاقيات دولية في هذا المضمار.
المصدر: كتاب الفقه …البيئة عام 2000